Monday, April 25, 2005

وأنا مسافر

وأنا مسافر...
النهارده مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أحلى حاجة إنه يوم خميس، فقولت أستغل الفرصة وأروح إسكندرية أسلم على الوالد والوالدة ونأخذ منهم البركة برضه، ولما كنت أنا مسافر لوحدي وسليب المدام في البيت، فقلت لنفسي أعمل كما يعمل السواح في السفر، ففي بلدنا إحنا بشوف السياحة على وجوه السائحين فقط، مثل الصحة التي هي تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا العيانين، ومن هذا المنطق قررت أن أعيش شوية مثل الأصحاء اقصد السواح اللي بيجوا بلدنا من بلاد الله الواسعة ليروا فيها ما لا نراه برغم أننا نعيش ونحيا فيها ونموت فيها.

ذهبت إلى محطة القطار بتاكسي كان ماراً بالصدفة أمام المنزل وهو موقف لا يتكرر بسهولة ، فأشرت له وكان به سيدة وأبنتها فقلت يمكن ساكنه جنبنا وحينزلها ويوصلني ولما ذكرت له أنني أريد أن أذهب إلى محطة مصر فوافق من فوره وأشار انه سيوصل المدام ولم أعترض بل تفهمت الموقف كأي جنتلمان (قال يعني)، لكني وجدت أن السيدة وابنتها في أول طريقهم إلى منزلهم في اتجاه معاكس تماماً لاتجاه المحطة وياخذ السائق في الدرا يميناً فأقول في نفسي أن هذا هو الشارع اللي حينزلوا فيه... لكن لأ فسائق التاكسي لا يتوقف وينحرف مرة أخرى إلى شارع عمومي .. أه ربما سينزلون عند عمر افندي .... هيهات .... ويستمر السائق ماضيا في طريقه وأنا مفعوص بين ضيق الكرسي وشنطي التي استحيت أن أضعها على الكرسي الخلفي بجوار السيدة وإبنتها (جنتلمان بقى)، إلى أن وصل في نهاية الأمر إلى نقطة قريبة من المكان الذي تنشده السيدة وكان قد أحس بقلقي من ابتعاده عن الطريق إلى المحطة فقال لها هنا كويس؟؟ فوافق على مضض ومن تحت ضرسها المهم بعدها أخذ السائق يعتذر لي وكان شديد الأدب واخذ يسليني طوال الطريق حتى لا أشعر بالضجر من التأخير، وأخذ يحدثني عن الحالة الجوية وكيف أنه اليوم رأى بأم عينه أربعة فصول في يوم واحد وأنه محتار يلبس هدومه... ولا يقلع هدومه ؟؟؟!!! وأثناء مرورنا أمام المنصة في طريق النصر (الأوتوستراد) لفت نظري أنا والسائق أنها مبنى لا استخدام له بالفعل من اكثر من عشرين سنة فمن أكثر من عشرين سنة لا عروض عسكرية تجرى أمامه ولا يستخدم بأي شكل، وأصبح وجوده لا يمثل سوى ذكرى أليمة لقتل مجموعة من البشر وقلت ذلك للسائق فقال والله أنا ما مضايقني إلا العساكر الغلابة اللي بيفضلوا واقفين صيف شتا .. صبح وليل ومتذنبين من غير فايدة. فأكدت له أنه لا معنى من وقوفهم بهذا الشكل فقال إن السياح يأتون لزيارة النصب التذكاري فقلت له إن هذا هو النصب (بقتح الصاد) السياحي فشركات السياحة تبيع الوهم للسياح بأنهم ينظمن رحلة لقبر الرئيس الراحل السادات بينما هو مدفون في مسقط رأسه وليس عند النصب التذكاري لشهداء أكتوبر..! فضحك ساخراً وقال أهو كله سياحة ياباشمهندس وربنا يخلينا الحكومة ...هاها! وصمت لثانية وأضاف ويخلينا كمال الشاذلي وأنفجرنا نضحك بشدة ونحن نردد مقولاته الشهيرة في المجلس عندما يعترض على رأي أحد نواب المعارضة بأنه مش فاهم الأخ محموء على إيه هو يعني الحكومة لا تزم تعمل كل حاجة؟؟...! فقلت له أننا شعب لا يعجبه العجب فنحن لا نفكر والله لا نفكر فتجد أن هناك الكثير من الأشخاص يشتركون في مظاهرة صباحاً عندما يشاهدونها بالصدفة أثناء مرورهم من مكان حدوثها ثم يذهب بعد الظهر إلى عضو مجلس الشعب عن الحزب الحاكم ليقضي له مصلحة ..... منتهى التناقض وكذلك أن الكثيرين لا يفكرون في أحوالنا بصفة عامة فهم مشغولون بهمومهم الشخصي أربع وعشرين ساعة، بينما قد جعل الله هنا فرصة للمسلمين للتفكر في أمور ومشاكل أحوالهم وهو يوم الجمعة، لكننا نسهر يوم الخميس حتى الصباح ونصحوا بضرب البلغ لامؤاخذة يوم الجمعة علشان يادوبك نلحق الصلاة في الجامع وندوّر على جامع بيتأخر يعني جامع تحت المتوسط مثل المعاهد الفنية دون المتوسطة التي تقبل راسبي الإعدادية ...!!!. وعند هذا الحد من الحوار بيني وبين السائق كنا قد وصلنا عند المحطة فدفعت له أجرته بينما هو يصر ويقول خليها علينا المرة دي يا باشا، وهي طريقة مصرية في البيع والشراء لضمان الرضى عما يدفع وإلا تكون عين الزبون في الفلوس وتروح منها البركة!.

ودخلت محطة مصر وعلى غير العادة لم اجدها تعج بالمسافرينن بل تبدو وكانها هي الأخرى تأخذ أجازة من الملايين الذين يمرون بها يومياً فعدد الأشخاص يكاد يكون قليل، وفكرت وقلت في نفسي ... اللي سافر سافر خلاص من إمبارح ... برضه أحسن الزحمة عدوة الرحمة. ثم استعدت روح السائح مرة والتي كنت قد قررت أن تلتبسني منذ أن قررت أن آخذ معي الكاميرا الديجتال الخاصة بزوجتي وكنت قد سألتها بأدب جم أن أأخذها فنظرت لي بنظرة عبارة عن مزيج من الاستنكار والاستغراب بأن أأخذها دون أن أسألها في ذلك- فذهبت إلى شباك التذاكر لأقطع تذكرة إلى إسكندرية وطلبت موعد الساعة الثالثة فقال لي موظف الشباك أن هذا الموعد ملغي اليوم -أجازه بقى – لكن في الساعة أربعة إن شاء الله فوافقت برغم تبرمي من كونه قطار فرنساوي لا تعجبني عرباته ولا سرعته حيث أن يقف في خمسة محطات!، ولكن روح السائح جعلتني أتقبل الموضوع بابتسامة بلهاء.

نظرت في الساعة وجدت أنه مازال أمامي أربعون دقيقة على موعد قيام القطار، فأخذت أتسنكح أمام أكشاك الصحف، باحثاً عن صحف بعينها، إلى أن وجدت ضالتي، واشتريت بعض الصحف الأسبوعية التي تثير دهشة أبي عندما يقرأ عناوينها الجريئة وتحقيقاتها التي تواجه وتنتقد بلا هوادة. ثم نظرت إلى لوحة مواعيد القطارات باحثاً عن الرصيف الذي سيقف فيه القطار الذي سأستقله، ثم ذهبت إلى كافيتيريا ملاصقة لذلك الرصيف.

في الكافتيريا كان الجو خانق بعض الشيء، بسبب كثرة المدخنين وارتفاع نسبة الرطوبة فجاءة في يوم متقلب الطقس. لم أجد طاولة شاغرة لأجلس عليها، فسألت الجرسون مافيش حته الواحد يقدر يعد فيها ولا إيه فنظر بعينين فاحصتين إلى بهو الكافتيريا وأجابني بأنني سأضطر إلى أن أشارك زبوناً آخر طاولته فأشرت بأنني ليس لدي مانع، فتقدمني إل طاولة يجلس إليه رجل في الخمسينيات يحتسي كوباً من الشاي واستأذنه وقبل من فوره، فجلست ووضعت حقائبي إلى جواري وطلبت فنجان قهوة وأشعلت سيجارة وانتظرت القهوة، وفي أثناء انتظاري تذكرت روح السائح التي نسيتها لوهلة، وبدأت أمارس نوع من الفرجة كنت قد تعودت عليه في أسفاري السابقة، فهذه تجلس في أول الكافتيريا تحاول أن تدعى أنها جميلة وترشف من العصير بطريقة تنم عن إدعاء الرقة بالعافية، بينما تبرز من نظراتها للعابرين أمامها أن بداخلها ساحرة شريرة، وفي طاولة أخرى يجلس عدد من الشباب بهم بعض الزهو بالبدلة الميري البيضاء فهم طلبة كلية الشرطة يتمازحون ويتكلمون بصوت عال، وفي ركن يجلس رجل مسن وزوجته وأحد أحفاده لا يتكلمون بل شاخصون بأبصارهم نحو جهاز التلفزيون الذي يعرض برنامج للأطفال على القناة الأولى لا طعم له وأقل ما يقال أن يتسبب في إصابة من يراه بحالات متقدمة من العته المغولي والعمى الحيسي. وإلى اليسار يجلس رجل دين مسيحي بردائه الأسود وقلنسوته ولحيته الطويلة معلقاً صليبه في رقبته وكان ناحل الجسد يبدو عليه الإرهاق ربما لطول الصيام، أبونا (كما يحلو للمصريين كافة أن ينادوا رجل الدين المسيحي) كان يرتشف كوباً من الشاي ويأكل بعض سندويتشات الفول والطعمية طبقاً لصيامه وإن بدا عليه بعض الضجر من طعمهما وكأنما أحس بالندم لأن الفول والطعمية في سوهاج ألذ طعماً أو ارخص. جاء فنجان القهوة فشربته على مهل وأنا أتصفح إحدى الصحف التي اشتريتها، اقترب موعد القطار واشتد الحر فقررت أن أنتقل إلى القطار، التفت لطلب من الجرسون الحساب فوجدت قد جلس إلى إحدى الطاولات المواجهة للمروحة معبراً عن شعوره بالحر، فقلت له باسما أن يأتيني بالحساب حتى أنتقل أنا إلى حيث التكييف وحاسبته وركبت القطار.

في عربة القطار جلست في كرسي منفرد وسعدت لذلك جداً لأنني كنت قد قررت كتابة هذه السطور وأنا أحتسي قهوتي في الكافتيريا، وعلى هذا الأساس جلست في الكرسي و وضعت أمتعتي على الحامل العلوي وأخرجت الكومبيوتر وأخذت أكتب السطور السابقة.

وبعد استقراري في القطار وجدت أن الجو قد بدأ في التغير من مشمس إلى غائم جزئي ثم إلى غائم فعلاً ثم بدأت أرى قطرات المطر وهي تتناثر على زجاج النافذة بجواري وأصبحت لا أرى الزراعات الخضراء التي تعودت أن أراها علي مدد الشوف (على رأي صلاح جاهين رحمه الله) بالكاد أستطيع أن أرى الإسفلت الملاصق للسكة الحديد وبعض السيارات تجري عليه، تذكرت إني كنت قد قرأت في الأهرام صباحاً في خبر بالصفحة الأولى أن خبراء الأرصاد يتوقعون موجة حارة لمدة 48 ساعة على كافة أنحاء البلاد ؟؟!! فقلت في نفسي حتى الأرصاد تكذب فيه الحكومة !!، ثم شغلت نفسي في الكتابة، وكانت عربة القطار هادئة حيث لا أطفال ولا رنات محمول مقيتة بل هدوء لا يقطعه سوى رتابة صوت عجلات القطار وهي تقطع الطريق بسرعة. في الكرسي الواقع أمامي جلس شاب بدا من سمرته أنه سوداني الجنسي وإلى جواره في الكرسيين المقابلين جلس زميلين له لهم نفس المظهر المتميز من سمرة وأناقة لافته، الجالس أمامي كان هادئاً لا يتحرك وأغلب الظن انه كان نائماً، وزميلاه كانا يتبادلان الحديث بهدوء. في الكرسيين بجاني جلس شخصان أحدهما يرتدي بدلة رسمية كاملة والآخر قميص عادي وبنطلون، صاحب البدلة بدت لي قسماته بأنه ليس مصرياً وصدق حدسي ... فعندما رن تليفونه المحمول رد بلهجة عربية لم أستطع أن أتبين منها البلد التي جاء منها لأنه بدا وكأنه يتعمد إخفاء لهجته حتى لا يتم استغلاله أو استقصاده، في مكالمة أخرى تبينت أنه أردني، وان الشخص الجالس بجواره يعمل معه، جلس الإثنان يتجاذبان أطراف الحديث بصوت منخفض لم أتبين منه عما يتحدثون فيه، وعدت لأشغل نفسي في الكتابة مرة أخرى، ثم أحسست بشيء يهتز في جنبي فتنبهت أنه تلفوني المحمول، ووجدت أن المتصل كانت زوجتي ... تطمئن بأني بخير وركبت القطار طمأنتها ودعت لي بسلامة الوصول، وودعتني بحب.


جلست أكتب كل ما سبق وفجأة وجدت نفسي وقد وصل بي القطار إلى طنطا... علمت ذلك بدخول باعة الحلاوة واللديدة الحمص والسوداني وهو ما تشتهر به طنطا من حلويات واخذ الباعة يتجولون في عربة القطار وهم ينادون على بضاعتهم ووسط هذا كله لمحت اندهاش جاري عربي الجنسية مما يحدث حوله فجأة .... ثم نحرك القطار ومازال الباعة موجودون والذين أخذوا يهرولون لترك القطار الذي بدأ في التسارع وعاد الهدوء لعربة القطار فلا صوت إلا صوت عجلاته التي تنهب الطريق.

وصلت إلى الإسكندرية ووجدت أن موجة الأمطار قد سبقتني إليها، بدا ذلك واضحاً مما تركه المطر من آثار على الطرق والسيارات، كان الطقس لطيف يشوبه بعض الرطوبة. بعد وصولي ذهبت لأعاون والدي في شراء بعض الأغراض من أحد الأسواق ثم عدنا إلى البيت فوجدت أمي التي قابلتني بفرحة ووجدتها قد أعدت أطعمة أحبها فأكلتها ونحن أمام التلفزيون نشاهد برنامج لا أتابعه بالعادة لكني مطالب بالرد على أسئلة عنه، لا أدي لماذا لكني كنت أحاول الإجابة.... ياللا ما علينا. بعد الأكل والانتفاخ جلست بعض الوقت ثم تلقيت اتصال هاتفي من صديق كنت قد اتصلت به وأنا في السوق، كان ينتظرني لنخرج لتنسنكح ولنفضي إلى بعضنا البعض. تقابلنا وجلسنا في مقهى شعبي شهير في بحري. وبعد الحديث المتقطع بسبب إرهاقنا كلانا من ضغوط الأسبوع انتقلنا للسيارة مرة أخرى وأخذنا طريق العودة لمنازلنا. قمت بتوصيله وذهبت إلى بيتي وكلي شوق لسرير أفرد عليه ظهري، وما أن وصلت حتى تذكرت أنني كنت قد وعدت زوجتي أن أرسل لها ما كتبت على أساس أنها تجربتي الأولى في الكتابة، فأخرجت الكومبيوتر، وقمت بوصله بخط التليفون، وبعد بعد التصفح في المواقع التي أفضلها وجدها فرصة لذيذة لتصفح صحافة اليوم التالي حيث أن الساعة كانت تقترب من الثانية والنصف وبالتالي فالصحف قد نشرت نسخها الإلكترونية وبالفعل تصفحت خلال بعضها بسرعة وبينما أنا كذلك ظهر لي أن إبن عم لي يعيش في أمريكا قد قام بالاتصال هو الآخر بالإنترنت وبدأنا في التحادث والسؤال عن الصحة وكل عام وأنتم بخير , وياترى مش ناوي تيجي مصر بقى؟.... وابنك ربنا يخليهولك أخباره أية؟ ... أسئلة وأسئلة وإجابات إلى أن أحسست بحركة خارج غرفتي، فإذا بها أمي استيقظت لتستعد لصلاة الفجر. أخبرت أمي بأن إبن عمي معي الآن على الخط (تقولش مذيع في الجزيرة) حتى تهلل وجهها فهي تحبه جداً لأنه في نفس الوقت يكون إبن خالتي !!! (ومن غير سؤال وفذلكة اثنين أخوة اتجوزوا أثنين أخوة تانيين) المهم أخذت تشاهد ابن عمي على الشاشة وهي فرحة وتسأله عن مولود رزق به حديثاً وأخذت تدعو له ولعائلته وانصرفت لتؤدي الصلاة واستمريت أنا في التحادث معه إلى اكثر من ساعة فاستأذنته وأطفأت الكومبيوتر وأشعلت سيجارة في بلكونة الغرفة واستمتعت بتدخينها في طقس لطيف، ثم دلفت إلى الغرفة لأخلد إلى النوم.


بعد نوم متقطع استيقظت ورأسي في حجم قدرة فول عظيمة وكأنها خارجة لتوها من المستوقد، وكان أبي قد حاول إيقاظي قبل ذلك لكي أذهب معه إلى سوق للسمك في المنشية يسمى سوق الميدان، لكني قلت له إني تعب من السهر ولن أستطيع الذهاب معه. بعد فترة قمت من فراش مثقلاً ودخلت الحمام وتوضأت ومن ثم صليت ... وجدت أمي تريد أن تفطرني وأتت لي بقطعة كنافة محشوة بالمكسرات وغنية بجوز الهند وتفوح منها نكهة ماء الورد فقمت بالتهامها في نهم وبدأت في تصفح جريدة الصباح والتي لم أجد فيها جديد.... كله هو.. هو ...نفس الكلام لكن بألوان أو أشكال مختلفة الفرق الوحيد هو أن الجريدة أثقل لزيادة صفحاتها المليئة بالإعلانات عن كل شئ تقريباً ... ناقص تلاقي إنسان للبيع، حاجة تقلب المعدة وأثناء ذلك وجدت بطني تتكهرب وتتقلب، وكأن بها حالة ثورة غير سلمية بالمرة فقمت باستخدام قانون الطوارئ ودخلت للحمام على الفور وهناك حيث يجرد الإنسان من كل الأقنعة ويشعر بالانطلاق والحرية وجدت أن حرية الإنسان في نهاية الأمر يجب أن تكون – مهما كانت حرية شخصية مفرطة – يجب أن تكون في إطار حدود تعزله عن الآخرين، وبالبعد عن المعاني الفلسفية وبالرجوع للحاصل فيه، أخذت أتذكر ما يمكن أن يكون السبب في هذه الوعكة المعوية..... فتذكرت أنني كنت قد أكلت في القطار بالأمس مجموعة من السندويتشات المتنوعة والتي لم أكن راضي عنها وإنما أكلتها سداً للجوع، فعزيت أمر اللخبطة المعوية إلى تلك السندويتشات اللعينة. وخرجت أجر أقدامي بعد المعركة إذا بي أجد أن الاستغراق في معاني الحرية وحركة التحرر المعوية قد أضاعوا على اللحاق بصلاة الجمعة وأن أبي قد انتهى من تأديتها في جامع مجاور وعاد وأخذ يرمقني بنظرات لائمة .... يا عم الحاج ما أنا ظروفي وحشة خالص ومتنيل بستين نيلة.

بعد فترة من الفرجة على التلفزيون والتنقل بين قنوات الدش قمنا للغداء (أه يانا يابطني.... أن عايز أجازة لبطني شوية) لكني وجدت الطعام مما أحب وبقالي فترة ما أكلتوش، صينية بطاطس باللحم في الفرن...واو ، سال لعابي على الفور، وجلست افترس الطعام وأزدره مع السلطة البلدي ذات النعناع المجفف والمفروم والمرشوش عليها من فوق وتحت. بعد الغداء جلست أمام التلفزيون وكلي تناحة وكسل واستمر حالي على هذا الوضع إلى العاشرة فقمت بانتفاضة على الجلوس في البيت وقمت بالنزول بالعافية مع إن الكسل هو المانع الوحيد في خروجي وإنما أيضاً صاحبه التقلب في الأحوال الجوية التي لم أعد معها أعرف ماذا يمكن أن يرتدي الشخص من ملابس مناسبة لكن كان من الصعب أن يتعرف المرء على هكذا معلومة بشيء من السهولة، لكن مع قراري بالانتفاض والخروج من الشرنقة وتأكدي من أن حالة الجو قد استقرت على البرودة، فقمت بارتداء ملابس مناسبة ونزلت وركبت السيارة وانطلقت لا ألوي على شيء، وأن أتنقل بين الشوارع القريبة من المنزل وعند أحد التقاطعات المزدحمة وقفت أمامي سيارة لمحت وجه مألوف ..... إنها ابنة خالي .... ياااااااااه ده أنا ما شفتهاش من أكثر من 6 سنين ، أخذت أبحلق أكثر لأتأكد وما أن تأكدت بعد أن رأيت زوجها بجوارها حتى غادرت السيارة من أمامي. يالا حصل خير .... صدفة سعيدة صحيح.


ذهبت لصديقي سروجي السيارات في منطقة من مناطق الإسكندرية القديمة تدعى (أبو الدردار) وهي منسوبة في الأصل إلى الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه لكن تحريف اللغة والأسماء وهي هواية مصرية قديمة ما لبثت ونحتت اسمً مختلفاً لصحابي جليل دفن في تلك المنطقة، والتي يدور حول ضريحه الترام وكأنما يطوف بركابه حوله لقراءة الفاتحة بشكل منتظم على روحه... يا لغرائب الأقدار. لم أجد صديقي في ورشته لكني وجدت صبيه والذي رحب بي أيما ترحيب وأصر أن يشربني شاي طب حاجة ساقعة طب قهوة، يا عم يوسف اللله يكرمك.. هو أنا ضيف؟! أمال فين المعلم؟ تساءلت فقال والله ما أنا عارف ده كان لسه هنا دلوقتي هو دبسني في الشغلانة دي واختفى، دلوقتي يجي يعني حيروح فين!!. فانتظرت وأشعلت سيجارة ثم أخرى ولم يظهر وجيه، ووجيه صديقي سروجي السيارات في الأصل أخصائي اجتماعي يحمل بكالوريوس خدمة اجتماعية ولكنه لم يعمل بشهادته وإنما فضل أن يعمل في ورشة أبيه ليكمل مشوار الحاج فاروق ويريحه من عناء السنين، وجيه يحمل في شخصيته مواصفات المصريين بحق فهو شديد الإيمان بربه، متحمس لبلاده، خفيف الدم، صاحب شهامة وكما يقول المصريين صاحب صاحبه، لكنه عندما يغضب يصبح شديد الانفعال ولا تتوقع ما يمكن أن يأتي من أفعال، ووجيه اكتسب شهرة واسعة في الإسكندرية لأنه يحرص على جودة عمله وإتقانه، بالإضافة لكونه مختلف عن بقية أقرانه من الأسطوات بمستوى أعلى من الثقافة والتواضع في آن واحد، مما سهل له لأن يقن علاقات مع مشاهير المدينة من مختلف المهن والتخصصات، بالإضافة لحسن تعامله مع أبناء صنعته وغيرهم من مهنيين. كنت مازلت أنتظر ظهوره فقمت بالاتصال به على محمول ووجدته مغلق..... مما أثار قلقي الذي ما لبث أن تبدد ما أن سمعت أحدهم يقول أنه رآه في ورشة مجاورة، فذهب صبيه لإبلاغه بأني موجود فأتي مسرعاً ومتهللاً وأخذني بالحضن بينما أنا أسبه وألعنه بصوت عالي وهو يضحك ويقول والله لو كنت مشيت كنت ازعل أوي، لإاقول له ياللا يا معفن انته هربان فين ورحت وسايب شغلك ومدبس العالم وراك، وهو يقبلني ويقول لا والله أبداً د ه أنا كنت بأحل مشكل هنا جنبنا بس الحمد لله قضيت وربنا سهل واتحل.... فقلت له ربنا يقدرك على فعل الخير دايماً... فنظر إلى الزبون الذي كان ينتظره وكان سائق تاكسي نحيل في الخمسين من عمره ومعه ابنه وكان الصبي مازال يعمل في السيارة التاكسي وأضطر السائق الزبون لمساعدته في غياب وجيه، وقال له ممازحاً الله يخرب بيتك هي دي عربية أصلاً ه أنت المفروض تروح ترميها وتجيب سباطتين موز اكرملك.... برضه تخش على أم العيال بحاجة تسوى... با راجل اعمل لأخرتك واتقي الله دي عملة تعملها وتجيب عربية زي دي .... ما هو إنت مابتفهمش ... البعيد غبي .... أنت ايه اللي جابك في سكتي.... ثم نظر إلي غامزاً ومتحدثاً بلهجة جادة وهو يقول الأسطى خميس ده أغبى سواق تاكسي في الجمهورية بلا فخر ... ثم أضاف مش كده يا خميس .. كل هذا وخميس فاشخ ضبه وعمال يضحك وهو بيتشتم في حضور ابنه؟؟!!! لكن اتضح أن الأمر عادي بالنسبة لهم برغم استنكاري للأمر لكني لك أعبر عن ذلك لشعوري بأن هناك علاقة خاصة بينهما، وبالفعل لاحظ وجيه استغرابي من كم الإهانات التي يكيلها لخميس السائق الغلبان وأضح لي بأن خميس كان يعمل عند والدة من زمن بعيد ولا يستريح إلا إذا عامله وجيه بهذه الطريقة! عجيب أمر بعض الناس، ولله في خلقه شئون. أخذ وجيه يتكلم معي عن أحوال الدنيا وعن أخبار أخيه الذي يعمل في الخليج والذي قرر العودة لرعاية أولاده الذين تركهم لسنوات مع زوجته ليحسن من أحواله المعيشية، وعن حال الكرة بين الأهلي والزمالك الضائع و الاتحاد أمل كل الإسكندرانية في الكأس وأن إنبي هو الذي يستحق بالفعل الوصول للنهائي والفوز بالكأس لأنه فريق اجتهد من أول السنة وحصل على المركز الثاني في الدوري، وعن أحوال البلد التي لخصها في جملة بسيطة حين قال الناس دايخة ومش لاحقة تأخذ نفسها فأمنت على كلامه، ولاحظت أن الساعة تخطت منتصف الليل، فاستأذنته في المغادرة فأصر أن أزوره في الغد إن تمكنت من ذلك حتى يقوم بالواجب كما ينبغي وليس كما حدث اليوم وأتيته وقد أغلقت كل المقاهي المجاورة أبوابها، ووعدته أن أفعل إن استطعت، وودعته وانصرفت.

ذهبت بعد زيارتي لوجيه لأشتري بعض الأغراض من محل معين بالقرب من بيت العائلة لكني وجدته قد أقفل أبوابه فقمت بالدوران عائداً باتجاه المنزل ولاحظت نفاذ علبة سجائري فبحثت عن بائع سجائر لابتاع منه علبة سجائر تكفيني لبقية الليلة وللغد، وأثناء بحثي عن ذلك المحل أو الكشك، لاحظت أن محل صيصا للكبدة الاسكندراني مازال مفتوحاً وتنبعث منه الأضواء فقلت لماذا لا أبتاع بعض السندويتشات لي ولعربي، وعربي هو أحد القاطنين في شارعنا البسيط والذي يمتلك محل لبيع البسكويتات والللبان والمياه الغازية وخلافه بالإضافة إلى كونه ميكانيكي بريمو !! وقد مل من مهنة الميكانيكا ويعمل بها حينما يهفه الشوق أو أن يلجأ إليه شخص عزيز عليه، بالإضافة لذلك فعربي وأسمه الأصلي شعيب يهوى تربية الضأن والعجول وذبحها لمن يكلفه بذلك وبدأ الأمر معه بتربية نعجتين منذ عدة سنين في منور العمارة التي يقيم بها، ثم تطور الأمر معه إلى خراف وعجول ولكن ليس بشكل دائم أي في المواسم والأعياد ولاسيما في عيد الأضحى حيث يقوم العربي بالاتفاق مع من يريد من الجيران أن يضحي على وزن الأضحية التي يرغبها ونوعها ويتولى هو الباقي من إحضارها من مزارع يتعامل هو معها ويقوم بالذبح والسلخ والتشفيه والتقطيع (يعني تسليم مفتاح)، وأخونا العربي يتمتع بثقة كل من يتعامل معه وخاصة جيرانه في المنطقة والذين يظهرون ثقتهم فيه في أشكال متعددة من تركهم لسيارتهم له لأيام متعددة لإصلاحها كما ينبغي وكذلك في أمور الذبح وما يتعلق بها أو أي مهمة يوكلون بها إليه فيؤديها بأمانة. وعند وصولي لمحل الكبدة وجدته قد أنهى عمله وبتأهب للإغلاق فألعن حظي وحظ عربي وعدت إلى شارعنا وتركت السيارة عند المنزل وتوجهت لمحل عربي ورحب بي وسأل عن حالي وأخبار القاهرة وحال الجو المتعفرت كما عبر هو عن ذلك فقلت له أن هيئة الأرصاد كانت تتوقع موجة حارة لمدة 48 ساعة فقال وإمتى الحكومة بتصدق في أي حاجة تقولها لنا؟ بمنتهى البساطة لخص عربي العلاقة الدائمة بين المصري وحكومته عبر الزمن في جملة شديدة العفوية والتعبير في آن واحد وهذه هي البلاغة. العربي يعتبر في المنطقة كما شيخ الحارة يعرف كل من يقطنون فيها وأصولهم ومتى أتوا ومتى بنيت هذه العمارة ومن صاحبها ومن اشتراها وبكم وهذا الشاب يحب من، من بنات الجيران وتلك مع من تخرج دائماً ولكنه لا ينقل الكلام ولا يفضح أحداً ولا يلقى ببال لما يعرفه من أدق الأسرار لكنه يستعين بخزائن أسراره في حكمه على الأمور. وعند الساعة الثانية أتى علينا جار من جيراننا يعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي عندها فقط تذكرت روح السائح التي كنت قد بدأت بها رحلتي وتذكرت الكاميرا الديجيتال القابعة في جيبي وتبادلنا السلامات والأحاديث عن ما هو الجديد وكيف أن التقنيات الجديدة أثرت على مستوى مبيعات الاستوديهات وأنهم لم يعودوا يتحصلوا على أرباح كما كان الحال في السابق بسبب دخول تلك التقنيات في صور الرقم القومي والرخص المرورية وحتى كارنيهات الأندية. طال الحديث وتشعب الموضوع إلى أن وصلت الساعة إلى الثالثة والنصف فاستأذنتهم وانصرفت كي أذهب إلى المنزل وأنام بعد أن تحسرت على ضياع روح السائح مني وغيابها لا لأسباب معروفة سوى التلبك المعوي.